السمنة الجينية المنشأ، كل ما تود معرفته

تعدّ السمنة اليوم مرضاً قائماً بحدّ ذاته، حيث تسعى الدراسات والأبحاث لكشف أسباب السمنة الجينية ممّا يفتح الآفاق لعلاجات جديدة للسمنة بناءً على جينات السمنة المرضيّة التّي يحملها كلّ شخص. فما هي السمنة و ما هي أعراض السمنة وما هي الجينات التي تؤثر على السمنة، وما هي تحاليل السمنة الجينية التي يمكن إجراؤها؟ كل ذلك وأكثر سنتناولها في المقال التالي.  
ما هي السمنة وما هي أعراض السمنة؟
من المؤكّد أنّ وباء السمنة العالمي الحاليّ يتعلّق إلى حدّ كبير بزيادة استهلاك الأطعمة التّي تحتوي على نسبة عالية من السّعرات الحراريّة إلى جانب انخفاض النّشاط البدنيّ، حيث بيّنت منظّمة الصّحّة العالميّة أنّ أكثر من 1.9 مليار من البالغين في الثّامنة عشرة أو أكثر يعانون من فرط الوزن، وكان أكثر من 650 مليون من بينهم يعانون من السمنة. كما بيّنت أيضاً المنظّمة أنّ نسبة السمنة أو زيادة الوزن وصلت في المملكة العربية السعودية إلى ما يقارب 70 % أي أن من بين كل أربعة سعوديين هناك ثلاثة أشخاص مصابين بالسمنة أو الزيادة في الوزن وذلك بسبب تغير النمط المعيشي القائم على قلة الحركة وتناول الوجبات ذات السعرات الحرارية المرتفعة. لكن لوحظ مستوى واسع من التّباين في قابليّة الإصابة بالسّمنة بين الأفراد أو المجتمعات المعرّضة لنفس العوامل البيئيّة، ممّا يرشّح دور العوامل الجينيّة في ذلك.

ما هي السمنة ؟

تعد السمنة مرضا معقّداً، إذ تزيد فيه كمية دهون الجسم زيادة مفرطة. فالسُمنة ليست مجرد مصدر قلق بشأن المظهر الجمالي فحسب، إنما هي مشكلة طبية تزيد من عوامل خطر الإصابة بأمراض ومشكلات صحية أخرى مثل مرض القلب وداء السكري، وارتفاع ضغط الدم وأنواع معينة من السرطان.

ما هي أسباب السمنة؟

هنالك العديد من الأسباب التي تجعل البعض يواجهون صعوبة في إنقاص الوزن. حيث عادة ما تنتج السمنة عن عوامل وراثية وفسيولوجية وبيئية، بالإضافة إلى اختيارات خاطئة في النظام الغذائي والنشاط البدني وممارسة الرياضة. فيما يلي شرح لأسباب السمنة التي عادة ما تنتج عنها بالإضافة لبعض العوامل المشتركة:

العوامل الوراثية وآثارها

قد تؤثر الجينات الموروثة عن الوالدين في مقدار الدهون الذي يخزنه الجسم، بما فيها أماكن توزّع تلك الدهون. وقد تؤدي الخصائص الوراثية أيضًا دورًا في مدى كفاءة الجسم في تحويل الطعام إلى طاقة، وكيفية تحكم الجسم في الشهية تجاه الطعام، وكيفية حرق الجسم للسعرات الحرارية أثناء ممارسة الرياضة. الجدير بالذكر أنه انتشار السمنة بين أفراد الأسرة الواحدة، قد لا يكون بسبب الجينات التي يتشاركونها فحسب، إنما بسبب مشاركة العادات الغذائية ذاتها ومزاولة الأنشطة نفسها.

اختيارات نمط الحياة

  • النظام الغذائي غير الصحي: يُسْهِم النظام الغذائي عالي السعرات الذي يفتقر إلى الفاكهة والخضروات، والمليء بالوجبات السريعة، والمُتْخَم بالمشروبات عالية السعرات وحِصَص الطعام الكبيرة للغاية في زيادة الوزن.
  • السعرات الحرارية السائلة: قد يتناول الأشخاص الكثير من السعرات الحرارية دون الشعور بالشبع، خاصة تلك السعرات الحرارية الموجودة بالكحوليات. كما أن المشروبات الأخرى ذات السعرات الحرارية العالية مثل المشروبات الغازية المحلّاة يمكن أن تساهم في زيادة الوزن بشكل كبير.
  • قلة النشاط (الخمول): إذا كان لدى الشخص نمط حياة خامل (قليل الحركة)، فمن الممكن وبكل بسهولة الحصول على سعرات حرارية يومياً أكثر ممَّا يتم حرقه أثناء التمرين والأنشطة الروتينية اليومية. ومن أمثلة النشاط الخامل النظر في شاشات الكمبيوتر والأجهزة اللوحية والهواتف، فكلما زاد عدد الساعات التي يقضيها الشخص أمام الشاشات، ارتفعت احتمالية ازدياد الوزن.

العمر

يمكن أن تحدث السمنة في أي عمر، ويمكن أن تصيب الأطفال الصغار. إلا أن التقدم في العمر الذي يساهم في زيادة التغيرات الهرمونية، مما يؤدي في حال وجود نمط حياة ذي نشاط قليل إلى خطر الإصابة بالسمنة. كما أن نسبة العضلات في الجسد ستميل للنقصان كلما تقدم العمر. وهو الأمر الذي يؤدي إلى نقص الكتلة العضلية عمومًا، مما يعني حدوث انخفاض في معدل الأيض. جميع هذه التغييرات ستؤدي أيضًا إلى نقص الاحتياجات من السعرات الحرارية، مما تجعل عملية زيادة الوزن أكثر سهولة. لذلك إذا لم يتمكن الشخص من التحكم في ما يتناوله من الطعام ويزيد من نسبة نشاطه البدني، فمن المؤكد أن الوزن سيكون قابلاً للزيادة.

ما هي أنواع السمنة الجينية؟

هنالك نوعان من السمنة الجينية المنشأ، هما:
  1. السمنة أحاديّة الجين:
السّمنة أحاديّة الجين هي مصطلح جماعيّ يشير إلى عدد من الأشكال النّادرة من السّمنة المفرطة التّي تنتج عن طفرات في الجين الفرديّ. على الرّغم من ندرة هذه الأشكال أحاديّة الجين من السّمنة إلّا أنّ المسح الجينيّ لهذه الجينات ساهم في تفسير بعض أشكال السّمنة والبحث عن علاج لها. تمّ وصف الطّفرات الاستثنائيّة لجين اللّبتين (وهو هرمون الببتيد الذي يعمل على إنتاجه وإفرازه الخلايا الدهنية المسؤولة عن تنظيم وزن الجسم،كما يعرف باسم هرمون السمنة، وهرمون الجوع، وهرمون الدهون ) ومستقبلاته pro-opiomelanocortine (POMC)، prohormone convertase 1 (PC1) وبشكل أكثر تكراراً الطّفرات في مستقبل الميلانوكورتين 4 (1 إلى 4 ٪ من حالات السّمنة المفرطة). إن جميع جينات السمنة آنفة الذكر تشفّر بروتينات مرتبطة بقوّة وذلك من تنظيم تناول الطّعام.
  • السّمنة متعدّدة الجينات:
إن أكثر أشكال السمنة شيوعاً هي السمنة متعدّدة الجينات، حيث تمّ استخدام نهجين عامّين في البحث عن الجينات المسبّبة للسّمنة متعددة الجينات الشّائعة عند البشر. يركّز النّهج الأوّل على الجينات المختارة التّي لها دور معقول في السّمنة على أساس دورها البيولوجي المعروف أو المفترض. فيما يحاول النّهج الثّاني تعيين الجينات حسب الموضع فقط ولا يتطلّب أيّ افتراضات حول وظيفة الجينات. لقد حدّدت عمليّات المسح على مستوى الجينوم في مجموعات عرقيّة مختلفة مواقع السّمنة الرّئيسيّة على الكروموسومات 2 و5 و10 و11 و20.

ما هي مسحة تحليل جينات السمنة؟

هو فحص يتمّ من خلال أخذ عيّنة دمّ أو مسحة نسيجيّة من فمّ المريض للحصول على الحمض النّوويّ DNA للمريض، ومن ثمّ يقوم الباحثون في المختبر بفحص الأشكال النّيوكليوتيدية الأحاديّة أو متعدّدة الأشكال. بعد إجراء تحليل الجينات المسبب للسمنة، يتم الكشف عن 12 نوع من الجينات المسؤولة عن السّمنة وفق 4 محاور، وهذه المحاور هي:
  1. المحور الأوّل:
حيث يكشف عن استجابة الجسم لامتصاص الفيتامينات والمعادن، وهذا الجين يوجد لدينا جميعاً لكن قد يحدث عند البعض اختلاف في أحد النّكليوتيدات فتختلف استجابة الجسم زيادةً أو نقصان. كما يوضّح قدرة الاستقلاب (العملية التي يتم من خلالها تحويل مُدخلات الجسم من طعام وشراب إلى طاقة ) في الجسم، بالإضافة لأنه يوضّح آليّة الاستجابة للأنسولين ممّا يشير لاحتماليّة الإصابة بالسكري المرتبط بالسّمنة، وهناك 4 جينات مسؤولة وهي:   VDR/ Il-6 / MTHFR / GSTT1.
  • المحور الثّاني:
يكشف من خلاله عن طريقة الجسم في الحصول على الطّاقة من الدّهون أو الكربوهيدرات أو البروتينات، ممّا يساعد في اختيار النّظام الغذائيّ المناسب لإنقاص الوزن، وهناك 4 جينات مسؤولة عن هذه الاستجابة وهي IRS1 / ADRB2 / PLIN1 / FTO.
  • المحور الثّالث:
يوضّح هذا المحور استجابة الجسم للأنشطة الرّياضيّة بحسب جينات كلّ شخص والمسؤولة عن بناء وتكوين العضلات، وهنالك جينين اثنين مسؤولين عن هذه الاستجابة وهما ACTN3 / PPARG.
  • المحور الرّابع:
ويوضّح تأثير الملح في الجسم، فالملح له علاقة بأمراض القلب والأوعية والضّغط، لذا من المهمّ دراسة الجينات المسؤولة عن استقلابه بالجسم وذلك من أجل الوقاية من تلك الأمراض. كما يبيّن المحور الرابع استجابة الجسم  للكافيين، حيث أن هذه الاستجابة تختلف بين الأشخاص، فبعضهم قد يحصلون على الطّاقة منه وبعضهم لا. هنالك جينين اثنين مسؤولين بالمحور الرّابع وهما ACE / CYP1A2.

ما هي مزايا  عمل تحليل الجينات السمنة ؟

  1. بعد إجراء هذه التّحاليل وتحليل النّتائج المتعلّقة بامتصاص الجسم للفيتامينات والمعادن وطرق الحصول على الطّاقة ونوع التّمارين المناسبة للجسم واستقلاب الملح والكافيين في الجسم، يمكن وضع نظام غذائيّ معتمد على طريقة الجسم الخاصّة بالحصول على الطّاقة مع تحديد البرنامج الرّياضيّ المناسب لبناء وتكوين الجسم وطرق حرقه للطاقة، ممّا يساهم في خفض الوزن أو زيادته بالطريقة الصّحيحة. فمثلاً الشّخص الذي يستمدّ طاقته من الكربوهيدرات لا يمكن أن يتّبع نظام الكيتو الذّي يعتمد على الدّهون للحصول على الطّاقة.
  2. يتمّ إجراء هذا الفحص مرّة واحدة في العمر، فالجينات لا تتغيّر عند نفس الشّخص لذا لا داعٍ لإعادة إجرائه في وقت لاحق.
  3. بعد اتّباع النّظام المناسب للجسم والوصول للوزن المرغوب، يمكن معرفة كيفيّة الحفاظ على هذه النّتيجة دون المعاناة من العودة للحالة السّابقة للمريض من زيادة أو نقصان وزن، لأنّ المريض يكون قد علم بالأنظمة المناسبة لجيناته والأنظمة التّي لا تناسبه.
  4. يتمّ إلحاقه بفحوصات كيميائيّة للجسم مثل وظائف الكلى ووظائف الكبد والغدة الدرقية وسكّر الدّمّ، وذلك لاختيار النّظام الغذائيّ المناسب لحالة الجسم الصحية الحالية أيضاً.
  5. معرفة المرضى الذّين يحتاجون لتعويض الفيتامينات والمعادن دوائيّاً بناءّ على جيناتهم المسؤولة عن امتصاص هذه المغذّيات، ممّا يساهم في وقاية المريض من الأمراض المرافقة لنقص هذه المغذّيات مثل فقر الدّمّ وتساقط الشعر والتّعب المستمرّ.

هل يستفاد المصاب بالسمنة الجينية من عمليّات جراحة البدانة؟

إن أيّ شخص يعاني من السمنة وحتّى السمنة الجينية سيحصل على فائدة إذا خضع لعمليّات جراحة البدانة مثل تكميم المعدة وشفط الدّهون، إلا أن مريض السمنة الجينية ولاعتبار أن لديه الجينات المؤثّرة على استقلابه وزيادة الوزن، فلا بد له من أن يجري تحاليل السمنة الجينية لإيجاد النّظام الغذائيّ المناسب له وفقاً لجيناته ليحافظ على النّتيجة التّي حصل عليها من العمليّة دون العودة لزيادة الوزن مجدّداً.

مستقبل البحث في علم وراثة السّمنة

لا يزال جزء كبير من مورّثات السمنة والتّباين بين الأفراد في مؤشّر كتلة الجسم BMI غير مفسّر، أو قد يتمّ تفسيرها في الواقع من خلال أشكال التّباين الجينيّ التّي لم يتم استكشافها حالياً بواسطة الأساليب الشّائعة لتحليلات الارتباط واسعة النّطاق. إذ من المتوقّع أن يؤدّي ظهور تقنيات تسلسل الجيل التّالي الفعّالة التّي تسمح بتسلسل الجينوم الكامل أو تسلسل Exome، بالإضافة إلى التّسلسل عالي الإنتاجيّة للمناطق الجينوميّة المستهدفة ذات الأهمّية إلى تسهيل كشف العوامل الوراثيّة التّي تساهم في التّعرّض للأمراض المعقدة مثل السّمنة. يتيح تسلسل Exome بشكل متزايد تحديد العديد من المتغيّرات التّسلسليّة المرتبطة بأمراض مثل السّكّريّ عند الأطفال حديثي الولادة وسكّريّ الشّباب النّمط 1 وحالات السّمنة الشّديدة. إنّ دراسات المتغيّرات النّادرة معقّدة بسبب الحاجة إلى أعداد كبيرة من المشاركين في الدّراسة من أجل توفير عيّنة إحصائية كافية لتأكيد ارتباطهم بالمرض بشكل نهائيّ، وبسبب الكشف غير الكامل لبعض المتغيّرات، سيكون للدراسات الوظيفيّة دور مهمّ في تحديد الأهمّيّة البيولوجيّة للمتغيّرات المرتبطة بالسّمنة ولإيجاد العلاجات المناسبة. إن ما يدعو للتفاؤل أن إمكانية إنقاص قدر بسيط من الوزن قادرة على تحسين المشكلات الصحية المرتبطة بالسمنة أو من الممكن أن يقي منها على أقل تقدير. كما أن اتباع نظام غذائي وإدخال بعض التغييرات السلوكية في إنقاص الوزن سيكون أكثر فائدة للصحة. كذلك تعد الأدوية الموصوفة طبيًا والإجراءات الجراحية لإنقاص الوزن خيارًا ممكنًا لعلاج السمنة.

المراجع

Bouchard C. Current understanding of aetiology of obesity genetic and non genetic factors. National Library of Medicine.   مصدر الصورة داخل المقال

أحدث المقالات
اذهب إلى الأعلى