علاج سرطان الثدي: دليل شامل لأحدث الاستراتيجيات (المرحلة 1-4)

سرطان الثدي ليس مجرد رقم؛ إنه مشكلة تؤثر في ملايين النساء (والرجال) حول العالم، ويحدث عندما تنمو خلايا الثدي بشكل غير طبيعي، ورغم أن التشخيص قد يبدو مرعبًا، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تقدمًا كبيرًا في طرق العلاج.

لم يعد السرطان يعني نهاية الحياة، بل أصبح هناك طرق علاج مختلفة تحتاج إلى خطط مفصلة، في هذا المقال، سوف نُوضح أحدث الطرق لعلاج سرطان الثدي خطوة بخطوة، وكيف يمكن للتطورات العلمية أن تحول هذا التحدي إلى أمل، خاصة مع معدلات الشفاء العالية التي نراها اليوم.

علاج سرطان الثدي في المرحلة الأولى

سرطانات الثدي هذه لا تزال بحجم صغير ولم تنتشر بعد إلى الغدد الليمفاوية، أو أنها انتشرت فقط إلى منطقة محدودة في العقدة الليمفاوية الحارسة، وهي العقدة الليمفاوية الأولى التي يمكن أن يصل إليها السرطان.

كذلك، تتميز العلاجات المتكاملة المتاحة بفعاليتها، مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الشفاء من سرطان الثدى فى المرحلة الأولى، حيث تصل نسبة البقاء على قيد الحياة لمدة خمس سنوات تقريبًا إلى 99% إلى 100%.

  • العلاج الموضعي (الجراحة والعلاج الإشعاعي)

هل يمكن علاج سرطان الثدى بدون جراحة؟ تُعتبر الجراحة العلاج الأساسي في هذه المرحلة، حيث يمكن معالجة الأورام إما من خلال جراحة الحفاظ على الثدي {BCS}، التي تُعرف أحيانًا باستئصال الورم، أو عبر استئصال الثدي بالكامل، ومن الضروري دائمًا فحص الغدد الليمفاوية القريبة، وهذا يتم إما عن طريق خزعة العقدة الليمفاوية الحارسة {SLNB}، أو من خلال تشريح العقدة الليمفاوية الإبطية {ALND}. 

في حالة إجراء جراحة الحفاظ على الثدي{BCS}، يُعتبر العلاج الإشعاعي ضروريًا بعد الجراحة لتقليل احتمالية عودة السرطان إلى الثدي، أما إذا تمت عملية استئصال الثدي، فلا يُحتمل أن تحتاج المريضة إلى الإشعاع، إلا في حالات خاصة يحددها الطبيب، ويُلاحظ أن بعض النساء اللواتي تتجاوز أعمارهن {65} عامًا قد يفكرن في القيام بـ {BCS} دون الحاجة للإشعاع، بشرط أن يكون الورم إيجابيًا لمستقبلات الهرمونات، وأن يتلقين العلاج الهرموني.

  • العلاج الجهازي (العلاج الكيميائي والأدوية الأخرى)

يُعطى العلاج الجهازي (الهرموني، الكيميائي، الموجه) بعد إجراء الجراحة وفقًا لخصائص السرطان. 

  • سرطان الثدي الإيجابي لمستقبلات الهرمونات: يُفضل معظم الأطباء استخدام العلاج الهرموني، مثل تاموكسيفين أو مثبطات أروماتاز كعلاج مساعد لمدة لا تقل عن {5} سنوات.
  • العلاج الكيميائي: يُوصى به عادةً إذا كان حجم الورم أكبر من 0.5 سم، وقد يُستخدم أيضًا للأورام الأصغر إذا كانت تحمل سمات عدوانية، أو إذا أظهر الفحص الجيني درجة خطورة عالية.

أما بخصوص عدد جلسات الكيماوي لسرطان الثدى المرحلة الأولى، فإنه ليس ثابتًا، بل يعتمد على البروتوكول المستخدم ونوع السرطان، وعادةً ما يتراوح عدد الجلسات بين 4 إلى 8 دورات تُعطى خلال فترة تتراوح بين 3 إلى 6 أشهر.

  • علاج سرطان الثدي الإيجابي HER2: بعد إجراء الجراحة، يُستخدم تراستوزوماب (سواء بمفرده أو مع بيرتوزوماب)، كعلاج لمدة تصل إلى عام، كما يخضع العديد من النساء أولاً لعلاج كيميائي مع تراستوزوماب قبل الجراحة (المساعد الجديد)، وفي حال وجود سرطان متبقي وقت الجراحة بعد العلاج المساعد الجديد، يمكن استبدال تراستوزوماب بدواء أقوى يُسمى أدو-تراستوزوماب إمتانسين. 
  • طفرة BRCA: بالنسبة للنساء اللواتي يعانين من طفرة {BRCA} وسرطان {HR} إيجابي {HER2} سلبي، واللاتي لا يزال لديهن بقايا سرطانية بعد العلاج الكيميائي المساعد الجديد، فإنه يمكن إعطاء الدواء المُستهدف أولاباريب لمدة عام بعد الجراحة.

علاج سرطان الثدي في المرحلة الثانية

هل سرطان الثدى من المرحلة الثانية خطير؟ سرطانات المرحلة الثانية تكون أكبر حجمًا، أو قد انتشرت إلى عدد محدود من الغدد الليمفاوية القريبة، عادةً ما تتطلب هذه المرحلة دمج العلاج الموضعي مع العلاج الجهازي. 

  • العلاج الموضعي (الجراحة والإشعاع)

يشمل علاج سرطان الثدي في المرحلة الثانية إما عن طريق جراحة {BCS} أو استئصال الثدي، مع إجراء فحص للغدد الليمفاوية {SLNB} أو {ALND}. 

  • العلاج الإشعاعي: يُستخدم دائمًا بعد {BCS}، بينما بعد استئصال الثدي، يتم غالبًا تطبيق الإشعاع إذا وُجد سرطان في الغدد الليمفاوية.
  • العلاج الجهازي (تركيز على التقييم قبل الجراحة)

يُنصح به تقريبًا لجميع النساء في المرحلة الثانية، يمكن تقديمه قبل الجراحة – مساعد جديد- لتقليص الأورام الكبيرة، مما قد يجعل عملية {BCS} خيارًا ممكنًا، يُعتبر العلاج المساعد الجديد خيارًا مفضلًا بشكل خاص للنساء المصابات بسرطان الثدي الثلاثي السلبي {TNBC}، أو الإيجابي {HER2}، حيث يتم وضع خطة العلاج بعد الجراحة بناءً على استجابة السرطان للعلاج الأولي.

  • سرطان {HR} إيجابي {HER2} سلبي: يُستخدم العلاج الهرموني لمدة خمس سنوات على الأقل، وتُحدد الحاجة للعلاج الكيميائي من خلال اختبارات جينية، علاوة على ذلك، قد يُضاف دواء أبيماسيليب، أو ريبوسيكليب مع العلاج الهرموني لمدة عامين للمرضى الذين لديهم خطر مرتفع لعودة المرض.
  • علاج سرطان الثدي الإيجابي لـ HER2: يُعالج باستخدام العلاج الكيميائي مع تراستوزوماب (مع أو بدون بيرتوزوماب)، إذا تبقى سرطان بعد العلاج قبل العملية، يتم استبدال تراستوزوماب بأدو-تراستوزوماب إمتانسين.

قد يوصي الطبيب أيضًا باستخدام دواء نيراتينيب بعد مرور عام على العلاج بتراستوزوماب في حالات انتشار العقد الليمفاوية. 

  • سرطان الثدي الثلاثي السلبي {TNBC}: يتم تلقي العلاج الكيميائي، وقد يتم إضافة العلاج المناعي (بيمبروليزوماب) قبل العملية وبعدها. 
  • طفرة {BRCA}: في حال وجود طفرة BRCA وعدم تحقيق استجابة كاملة للعلاج الكيميائي قبل الجراحة، يُستخدم دواء أولاباريب لمدة عام.

ومن الجيد في الأمر؛ أن نسبة شفاء سرطان الثدي المرحلة الثانية، أو نسبة البقاء على قيد الحياة لمدة 5 سنوات، تتراوح بشكل عام بين 90% إلى 98%.

علاج سرطان الثدي المرحلة الثالثة

تتميز أورام المرحلة الثالثة بأنها قد تكون كبيرة الحجم (أكبر من 5 سم)، أو قد تنمو في الأنسجة المحيطة مثل الجلد أو العضلات، أو قد تنتشر إلى عدة عقد ليمفاوية إبطية، كما يتضمن هذا التصنيف بعض أنواع سرطان الثدي الالتهابي، والذي يتطلب عادة بروتوكولات علاجية مكثفة ومختلفة. 

الاستراتيجية الأولى: البدء بالعلاج المساعد الجديد (قبل الجراحة)

تُعتبر هذه الطريقة الأكثر شيوعًا، وفعالية لعلاج أورام المرحلة الثالثة، وتعرف بالعلاج المساعد الجديد، يهدف هذا الأسلوب إلى تقليل حجم الورم قبل الجراحة، مما قد يزيد احتمالية القدرة على إجراء جراحة الحفاظ على الثدي {BCS}).

  • الأدوية المستخدمة في العلاج المساعد الجديد:

الأورام السلبية لـ {HER2}: تُعالج بالعلاج الكيميائي.

الأورام الإيجابية لـ {HER2}: تُعالج بالعلاج الكيميائي بالإضافة إلى الأدوية المستهدفة، مثل تراستوزوماب وبيرتوزوماب.

سرطان الثدي الثلاثي السلبي {TNBC}): يُعتبر العلاج المساعد الجديد خيارًا مفضلًا، وقد يشمل العلاج المناعي (بيمبروليزوماب) قبل الجراحة وبعدها.

  • الجراحة بعد العلاج:

تُجرى الجراحة بعد انتهاء العلاج المساعد الجديد، إذا لم يتقلص الورم بشكل كافٍ، يتم إجراء عملية استئصال الثدي.

عادةً ما يتم إجراء تشريح العقدة الليمفاوية الإبطية {ALND})، حيث تعتبر خزعة العقدة الحارسة {SLNB}) غير كافية في هذه المرحلة.

  • العلاج بعد الجراحة (العلاج المساعد):

الإشعاع: يعد العلاج الإشعاعي ضروريًا في كثير من الأحيان بعد الجراحة لتقليل خطر عودة المرض موضعيًا. 

تعديل علاج {HER2}: إذا لم يختفِ السرطان تمامًا بعد العلاج المساعد الجديد، يتم استبدال تراستوزوماب بالدواء المُركب أدو-تراستوزوماب إمتانسين، ويستمر العلاج بالتراستوزوماب (مع أو بدون بيرتوزوماب) لمدة تصل إلى عام.

العلاج الهرموني: يُستخدم للأورام الإيجابية لمستقبلات الهرمونات HR+، ويمكن دمجه مع علاجات موجهة أخرى.

العلاج الموجه الممتد HR موجب، HER2 سالب: يُمكن إضافة أبيماسيليب مع العلاج الهرموني لمدة عامين للمرضى الذين لديهم خطر مرتفع لعودة المرض.

طفرة {BRCA}: إذا بقيت خلايا سرطانية بعد العلاج المساعد الجديد في أورام {HR} إيجابي {HER2} سلبي، يُعطى الدواء المُستهدف أولاباريب لمدة عام.

بالنسبة للاستراتيجية الثانية: البدء بالجراحة

  1. الجراحة: تُعتبر الجراحة خيارًا أوليًا لبعض الحالات الأقل تعقيدًا في المرحلة الثالثة، وعند كبر حجم الأورام، تتطلب الجراحة عادة استئصال الثدي، تليها غالبًا عملية تشريح العقدة الليمفاوية الإبطية {ALND}).
  2. العلاج المساعد: بعد الجراحة، يُطبق العلاج الكيميائي المساعد و/أو العلاج الهرموني على الفور، بالإضافة إلى العلاج الإشعاعي الذي يُوصى به دائمًا بعد استئصال الأورام الكبيرة، ويضاف العلاج الموجه لـ {HER2} (تراستوزوماب، بيرتوزوماب، أو نيراتينيب) عند الحاجة.

علاج سرطان الثدي المرحلة الرابعة

نظرًا، لأن سرطان الثدي في المرحلة الرابعة يعتبر مرضًا مزمنًا يرافق المريضة مدى الحياة، فإن أهداف العلاج تختلف عن تلك الخاصة بالمراحل الأخرى، وبما أنه غير قابل للشفاء، فإن التركيز في علاج سرطان الثدي في هذه المرحلة يكون على إدارة المرض ومتابعته بشكل دوري، مع إعطاء الأولوية لجودة حياة المريضة كهدف رئيسي.

عادةً، ما يتضمن علاج سرطان الثدي في المرحلة الرابعة استخدام علاجات جهازية، هذه العلاجات الدوائية تعمل على معالجة جميع أجزاء الجسم بدلاً من التركيز على منطقة معينة، من بين العلاجات الجهازية الشائعة في هذه المرحلة:

  • العلاج الهرموني

هو نوع من الأدوية التي تمنع خلايا سرطان الثدي من استقبال  أو استخدام الهرمونات الأنثوية الطبيعية (مثل الإستروجين والبروجسترون) الضرورية لنموها، كما يعيق العلاج الهرموني قدرة خلايا الثدي السليمة على تلقي الهرمونات، التي قد تحفز خلايا سرطان الثدي على النمو مرة أخرى، غالبًا ما تُستخدم هذه الأدوية مع العلاج بمثبطات CDK4/6.

  • العلاج الكيميائي

هو وسيلة علاجية تعتمد على استخدام مجموعة من الأدوية لتدمير الخلايا السرطانية، أو تقليل نموها، يُعتبر العلاج الكيميائي علاجًا جهازيًا، حيث تسري الأدوية في مجرى الدم إلى جميع أنحاء الجسم.

  • العلاج المُوجَّه

هو طريقة تستعمل أدوية تستهدف بروتينات معينة في الخلايا السرطانية، مما قد يساعد على نموها أو انتشارها, تعمل هذه الأدوية على تدمير أو تقليل نمو الخلايا السرطانية، وغالبًا ما تُستخدم لعلاج الخلايا السرطانية الإيجابية لـ HER2.

  • العلاج المناعي

هو شكل حديث نسبيًا مخصص للنساء المصابات بسرطان الثدي النقيلي في المرحلة الرابعة، حيث يتم استخدام جهاز المناعة الخاص بالمريضة لمكافحة السرطان.

في بعض الحالات، يمكن أن تُستخدم علاجات موضعية (غير جهازية) لعلاج سرطان الثدي في المرحلة الرابعة والأعراض المرتبطة به، مثل العلاج الإشعاعي و/أو الجراحة.

كم يستغرق علاج سرطان الثدى؟

تختلف مدة علاج سرطان الثدي بشكل كبير حسب المرحلة ونوع الورم، ولا يوجد جدول زمني محدد. 

  • بالنسبة للعلاج الموضعي الذي يشمل الجراحة والإشعاع، فإن الجراحة تُعتبر إجراءً لمرة واحدة، يليها العلاج الإشعاعي الذي يستمر عادةً من 3 إلى 6 أسابيع. 
  • أما العلاج الكيميائي والعلاج الموجه، فيستغرق العلاج الكيميائي عادة من 3 إلى 6 أشهر، في حين يمتد العلاج الموجه لـ {HER2} (مثل التراستوزوماب) لمدة عام كامل.
  • يعتبر العلاج الهرموني الأطول، حيث يستمر لمدة لا تقل عن 5 سنوات، وقد يمتد إلى 10 سنوات في بعض الحالات. 
  • في المرحلة الرابعة، يكون العلاج مستمرًا مدى الحياة، حيث يتم تغيير الأدوية والبروتوكولات وفقًا لاستجابة المرض، بهدف السيطرة على السرطان وتحسين جودة الحياة.

الخلاصة

​يتحدد مسار علاج سرطان الثدي بشكل دقيق بناءً على مرحلة توغل الورم  وخصائصه البيولوجية الفريدة، وتُبنى جميع الاستراتيجيات وفقًا لتقييم الفريق الطبي، ومع التطورات الهائلة في العلاجات الحديثة -من الجراحة الموضعية والعلاج الإشعاعي وحتى العلاجات الموجهة والمناعية- أصبحت معدلات البقاء على قيد الحياة والشفاء المبكر ممتازة.

تذكر أن الالتزام ببرنامج علاج سرطان الثدي كاملاً، بما في ذلك المتابعة طويلة الأمد والعلاج الهرموني الذي قد يمتد لسنوات، هو مفتاح النجاح. لا تيأس؛ فالمستقبل يبدو مشرقًا مع التشخيص والعلاج الحديث.

المصادر

اذهب إلى الأعلى