فرط كوليسترول الدم العائلي: دليل شامل وكيف تعيش في صحة جيدة؟

هل تعلم أن طفلًا يولد كل دقيقة حول العالم مصابًا بارتفاع الكوليسترول الوراثي؟ يُعد فرط كوليسترول الدم العائلي من أكثر أمراض القلب الوراثية شيوعًا، إذ يؤثر في شخص واحد من كل 250 شخصًا حول العالم، أي حوالي 34 مليون مصاب.

هذه الحالة الوراثية تسبب ارتفاعًا كبيرًا في مستويات الكوليسترول الضار في الدم منذ الولادة، وإذا تُرك هذا الارتفاع دون علاج، فقد يؤدي إلى أمراض قلب مبكرة خطيرة ونوبات قلبية مفاجئة. تعرف معنا في هذا المقال على كل ما يخص الكوليسترول الوراثي، وكيفية التعامل معه للعيش بصحة أفضل.

ما هو مرض فرط كوليسترول الدم العائلي؟

يُعرف فرط كوليسترول الدم العائلي (FH) بأنه “عائلي” نظرًا لكونه مرضًا وراثيًا يتوارث عبر الأجيال، يشير هذا المرض إلى ارتفاع مفرط في مستويات الكوليسترول في الدم، وهو ما يؤدي بدوره إلى ترسب الكوليسترول في جدران الشرايين، مما يعزز من احتمالية الإصابة بأمراض القلب المبكرة، مثل مرض القلب التاجي، والسكتة الدماغية، ومرض الشرايين الطرفية. 

في حالة داء الكوليسترول الوراثي، يرث الفرد جينًا معيبًا على الأقل، مما يُضعف قدرة الكبد على تصفية الكوليسترول الزائد من مجرى الدم، والذي يُعرف أحيانًا بـ”الكوليسترول السيئ“، أو الكوليسترول غير عالي الكثافة، بينما يقوم الكوليسترول عالي الكثافة (الكوليسترول الجيد) بدور حيوي في إزالة الكوليسترول من الشرايين، مدافعًا بذلك عن صحة القلب، والأوعية الدموية.

أنواع الكوليسترول الوراثي

يوجد نوعان من فرط كوليسترول الدم العائلي:

  1. فرط كوليسترول الدم العائلي المتغاير (HeFH): هو الأكثر انتشارًا، حيث يُنقل عبر أحد الوالدين، وفي الحالات التي تكون فيها الأعراض شديدة، قد تتجاوز مستويات الكوليسترول الضار (LDL) حاجز 190 مليغرامًا لكل ديسيلتر في الدم.

وإذا تُرك هذا النوع دون علاج، فقد يتعرض المصابون به للإصابة بأمراض القلب في سن مبكرة قد تصل إلى الثلاثين من أعمارهم.

  1. فرط كوليسترول الدم العائلي متماثل الزيجوت (HoFH): هو شكل نادر من هذا الاضطراب، يُورث من كلا الوالدين، وقد ترتفع مستويات كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة (LDL) في الدم لتتجاوز 400 ملغ/ديسيلتر.

وإذا لم يتم اكتشاف هذه الحالة ومعالجتها في وقت مبكر، فقد يتعرض المصابون لخطر الإصابة بأمراض القلب في السنوات العشر الأولى من حياتهم، وفي بعض الأحيان في عمر سنتين، أو ثلاث سنوات.

هل الكوليسترول الوراثي خطير؟

بالفعل، يُعتبر الكوليسترول الوراثي (فرط كوليسترول الدم العائلي – FH) أمرًا بالغ الخطورة إذا لم يُكتشف ويُعالج في وقت مبكر، فهو يتسبب في زيادة غير طبيعية في مستويات الكوليسترول الضار (LDL) منذ لحظات الحياة الأولى، مما يُنذر بخطر جسيم على الصحة.

ومع ذلك، فإن الدراسات أظهرت أن هناك علاجًا فعالًا يُساعد على التحكم في هذه الحالة، ويُقلل بشكل كبير من احتمالية حدوث المضاعفات، مما يتيح للمرضى فرصة التمتع بحياة طبيعية وسعيدة.

أسباب مرض فرط كوليسترول الدم العائلي

توجد ثلاثة جينات رئيسية، أو مجموعات من الجينات، تلعب دورًا في الإصابة بفرط كوليسترول الدم العائلي (FH):

  • جينات مستقبلات البروتين الدهني منخفض الكثافة:

يُعاني معظم الأفراد المصابين بهذا المرض من خلل في أحد هذه الجينات، مما يعني أن هناك نقصًا في عدد مستقبلات البروتين الدهني منخفض الكثافة (LDL).

هذا النقص يؤدي إلى تراكم الكوليسترول في مجرى الدم، مما يرفع من خطر الإصابة بمشكلات صحية خطيرة.

  • جين APOB (البروتين الدهني ب): 

من بين كل 100 شخص مصاب بمرض الكوليسترول الوراثي، نجد أن اثنين، أو ثلاثة فقط يعانون تغيرًا في هذا الجين.

ذلك يعني أن كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة لا يرتبط بشكل فعال بمستقبلاته، وقد يتسبب هذا في سحب بطيء للكوليسترول من الدم، مما يؤدي إلى استمرار ارتفاع مستوياته.

  • جين PCSK9:

تعتبر الإصابات بهذا النوع من فرط كوليسترول الدم نادرة، أي تغيير يحدث في هذا الجين يؤدي إلى تحلل مستقبلات الكوليسترول الضار(LDL) في الكبد، مما يمنعها من القيام بدورها في إزالة الكوليسترول من الدم، ويؤدي إلى تفاقم الحالة.

أعراض الكوليسترول الوراثي

في السنوات الأولى، قد لا تظهر أي علامات على وجود المرض، ومن بين الأعراض المحتملة التي قد تظهر، نجد ما يلي:

  • الزانثلازما

هي تجمعات صغيرة من الكوليسترول تتشكل تحت سطح الجلد، حول منطقة أسفل العين وعلى الجفن، وتظهر عادةً بلون أصفر شاحب.

  • قوس القرنية

هو حلقة هالة بيضاء شاحبة تحيط بالقزحية، الجزء الذي يعطي عينيك لونها، فإذا كنت أقل من خمسين عامًا، وتظهر لديك علامات قوس القرنية، فقد تكون في مواجهة خطر الإصابة بـ FH.

  • تورم وتر زانثوماتا

هو حالة تتمثل في انتفاخ مفاصل الأصابع، أو الركبتين أو وتر أخيل الموجود في الجهة الخلفية من الكاحل، ويحدث هذا التورم نتيجة لتجمع الكوليسترول الفائض، مما يؤدي إلى تأثيرات سلبية على سلامة المفاصل.

  • ألم الصدر

الذي يُعرف بألم الذبحة الصدرية، أو مؤشرات أخرى لمرض الشريان التاجي في مراحل مبكرة من الحياة.

  • أعراض مفاجئة

تظهر علامات تشبه تلك التي ترافق السكتة الدماغية، مثل صعوبة في النطق، وارتخاء في أحد جانبي الوجه، وضعف في الذراع أو الساق، إضافة إلى فقدان القدرة على التوازن، مما قد يثير القلق، ويستدعي التدخل الفوري.

مضاعفات الكوليسترول الوراثي

تشمل المضاعفات الرئيسية لفرط كوليسترول الدم العائلي:

أمراض القلب التاجية في مراحل مبكرة:

  • الذبحة الصدرية: تحدث هذه الحالة عندما تعجز عضلة القلب عن الحصول على الكمية الكافية من الدم نتيجة لتضيق الشرايين التاجية التي تغذيها.
  • النوبات القلبية: تُعتبر من أخطر المضاعفات، حيث تحدث عندما يتعطل جزء من عضلة القلب بسبب انسداد كلي، أو شبه كلي، وتعتبر هذه الحالة مهددة للحياة، إذ يمكن أن تحدث في مراحل مبكرة من الحياة، حتى في الأربعينيات والثلاثينيات، وفي حالات نادرة جدًا، مثل (HoFH) يمكن أن تظهر في مرحلة الطفولة.
  • فشل القلب: مع مرور الوقت، يمكن أن يتسبب التلف المستمر في عضلة القلب وتصلب الشرايين في تدهور قدرة القلب على ضخ الدم بشكل فعال، مما يشكل خطرًا على حياة المريض.

السكتات الدماغية

  • تحدث السكتة الدماغية عندما يتوقف إمداد الدم إلى منطقة معينة من الدماغ، وغالبًا ما يكون ذلك نتيجة انسداد شريان بسبب جلطة دموية، أو أحيانًا بسبب حدوث نزيف. هذا النقص في الدم يمكن أن يتسبب في تلف خلايا الدماغ، وفقدان الوظائف الجسدية التي يتحكم فيها الجزء المتضرر من الدماغ.

مرض الشرايين الطرفية

  • يصاب الشخص بهذا المرض عندما تتجمع اللويحات الدهنية في الشرايين، التي تمد الساقين والذراعين والرأس بالدم، مما يؤدي إلى تقليل تدفق الدم إلى هذه الأجزاء.
  • قد يسبب ذلك شعورًا بالألم في الساقين أثناء المشي، كما يمكن أن يؤدي إلى ظهور تقرحات لا تلتئم في الأطراف، وفي الحالات الخطيرة قد يؤدي إلى الغرغرينا، وبتر هذه الأطراف.

تضييق الصمام الأبهري

  • قد تتجمع ترسبات الكوليسترول حول الصمام الأبهري في القلب، مما يسبب تضييقه  ونتيجة لذلك، يصبح القلب مضطرًا لبذل جهد مضاعف لضخ الدم، مما قد يترتب عليه ظهور أعراض  مثل ضيق التنفس، آلام في الصدر، وحدوث الإغماء.

طرق تشخيص فرط كوليسترول الدم العائلي

من المحتمل أن يتضمن تشخيص ارتفاع الكوليسترول العائلي استعراضًا دقيقًا للتاريخ العائلي، بالإضافة إلى مجموعة من الفحوصات المهمة، والتي تشمل:

  • تحليل الدم لقياس مستويات الكوليسترول والكوليسترول الضار، ويجب أن يكون هذا جزءًا أساسيًا من الفحوصات الدورية مع طبيبك العام.
  • فحص بدني للكشف عن أي ترسبات للكوليسترول على الجلد.
  • اختبارات جينية للكشف عن العوامل الوراثية.

إذا تم تشخيصك بفرط كوليسترول الدم العائلي، فقد تُجرى لك فحوصات قلبية إضافية، مثل اختبار الجهد، أو تصوير الأوعية الدموية، وذلك للكشف عن أي انسدادات محتملة في شرايين القلب، كما يمكن أن يُوصى لأقاربك من الدرجة الأولى بإجراء فحص لهذه الحالة لضمان سلامتهم.

علاج فرط كوليسترول الدم العائلي

يجب على الأشخاص الذين يُشتبه في إصابتهم بالكوليسترول الوراثي، أو الذين تم تأكيد إصابتهم به، البدء في العلاج على الفور.

إذ يُؤدي التأخير في العلاج إلى حدوث مضاعفات خطيرة في القلب، والأوعية الدموية قد تكون مميتة في مرحلة الطفولة.

ولا يكفي الاعتماد على النظام الغذائي، وممارسة الرياضة لعلاج فرط كوليسترول الدم العائلي، رغم أن هذه التعديلات في نمط الحياة قد تكون مفيدة، إلا أنه يُوصى باستخدام الأدوية لخفض مستويات كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة (LDL) بنسبة لا تقل عن 50%، وتتمثل في:

  • العلاج الدوائي

عائلة الستاتينات، وقد يحتاج بعض المرضى إلى أدوية إضافية، مثل إيزيتيميب.

هناك أيضًا فئة أخرى من الأدوية تُعرف بمثبطات الأحماض الصفراوية، مثل الكولسترامين أو الكوليسيفيلام، والتي تعمل على تقليل امتصاص الكوليسترول في الأمعاء، وبالتالي تخفيض كميته في مجرى الدم. 

بالإضافة إلى ذلك، تساهم الأدوية القابلة للحقن المعروفة بمثبطات PCSK9 في خفض مستويات الكوليسترول عن طريق استهداف بروتين PCSK9، ومنع تكسيره لمستقبلات الكبد، مما يسمح بتحرير المزيد من المستقبلات لإزالة كوليسترول LDL من الدم. 

  • فصل الكوليسترول الضار

الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع كبير في مستويات كوليسترول LDL، مثل المصابين بـ HoFH، قد يتطلبون إجراء فصل كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة (LDL apheresis)، وهو إجراء دوري يشبه غسيل الكلى لإزالة الكوليسترول من الدم. 

إذا شُخصت بمرض الكوليسترول الوراثي يجب عليك مناقشة خطة العلاج المناسبة مع طبيبك، ومن المهم أيضًا إبلاغ أفراد عائلتك عن الحالة ليتمكنوا من الخضوع للفحص والعلاج.

أبرز 5 نصائح للوقاية من مرض الكوليسترول الوراثي

نظرًا؛ لأن فرط كوليسترول الدم العائلي يُعد اضطرابًا وراثيًا، ولا ينشأ نتيجة لنمط حياة غير صحي، إلا أن الحفاظ على مستوى عالٍ من اللياقة البدنية يعزز من فرص تجنب المشكلات الصحية في المستقبل. إليك بعض النصائح، التي قد تسهم في دعم صحتك:

  1. تناول طعامًا صحيًا: إن استهلاك وجبات صحية غنية بالدهون غير المشبعة يُعتبر خطوة إيجابية في التحكم في مستوى الكوليسترول في الجسم.
  2. تناول أطعمة غنية بالألياف: يُساعد أيضًا على خفض كمية الكوليسترول التي تُمتص في مجرى الدم من الأمعاء.
  3. ممارسة التمارين الرياضية بكفاءة: يُستحسن القيام بنشاط بدني يمتد لمدة لا تقل عن 30 دقيقة، بحيث يكون متوسطًا في الشدة، خمس مرات على الأقل خلال الأسبوع.
  4. تجنب التدخين: تعد هذه الخطوة ضرورية للغاية إذا كنت تعاني ارتفاع مستويات الكوليسترول، وتصبح أكثر أهمية إذا كنت تواجه مشكلة فرط كوليسترول الدم العائلي.
  5. الحفاظ على وزن صحي: من الجدير بالذكر أن الأشخاص ذوي الوزن المنخفض قد يواجهون أيضًا مشكلة ارتفاع الكوليسترول.

الخلاصة

مرض فرط كوليسترول الدم العائلي أو المعروف باسم الكوليسترول الوراثي، هو حالة وراثية تسبب ارتفاع مستويات الكوليسترول الضار في الجسم، احرص دائمًا على إجراء الفحوصات الدورية المنتظمة كي تعيش في سلام.

المصادر

اذهب إلى الأعلى