أعراض الخرف الكاذب: هل هي وهم أم مرض نفسي؟

هل تواجه أنت أو أحد أفراد أسرتك صعوبة في الذاكرة أو شعور بالارتباك أو ضبابية في التفكير، وتتساءل إذا كانت هذه الأعراض تشير إلى الخرف؟ قد يكون الأمر مختلفًا عن توقعاتك.

الخرف الكاذب هو حالة تشبه الخرف، لكنها تنجم في الحقيقة عن مشكلات صحية نفسية مثل الاكتئاب أو القلق، الخبر الجيد هو أنه، على عكس الخرف الحقيقي، فإن الخرف الكاذب يمكن أن يُعالج، ويُشفى غالبًا مع تقديم العلاج والدعم المناسبين.

في هذا المقال، سنتناول أعراض الخرف الكاذب، والأسباب وبدائل العلاج، مما سيمكنك من فهم الفرق، واتخاذ خطوات واثقة نحو التعافي.

ما هو الخرف الكاذب؟

الخرف الكاذب هو اضطراب إدراكي يُعتقد أنه ناتج بشكل أساسي عن اضطراب نفسي، وغالبًا ما يُرتبط بالاكتئاب، ونظرًا لتداخل الأعراض، يصبح من الصعب التمييز بين الخرف الحقيقي والخرف الكاذب والاكتئاب، ولهذا السبب، يفضل بعض الأطباء النفسيين وممارسي الصحة النفسية اعتبار “الخرف الكاذب” وصفًا للحالة بدلاً من اعتباره تشخيصًا نهائيًا.

كما تشير الدراسات إلى أن الخرف الكاذب المرتبط بالاكتئاب يظهر عند 0.6% من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 عامًا، وقد تكون النسب أعلى بين المرضى الذين يتقدمون للمستشفيات لتقييم التدهور المعرفي، المجالات الأساسية للإدراك التي تتأثر سلبيًا بالخرف الكاذب تشمل: الوظيفة التنفيذية، والكلام واللغة، والذاكرة.

وقد ظهر مصطلح “الخرف الكاذب” على يد الطبيب النفسي ليزلي كيلو عام 1961، من خلال ورقة بحثية بعنوان “الخرف الكاذب”، حيث تناول فيها حالات عشرة مرضى يظهرون سمات اكتئابية، في تلك الفترة، كان يُنظر إلى الخرف على أنه حالة نهائية، لكن أبحاثه أظهرت لأول مرة إمكانية عكس الاضطرابات الإدراكية الناتجة عن مشكلات نفسية، مثل الاكتئاب والفصام.

ما الفرق بين الخرف الحقيقي والخرف الكاذب؟

يوجد العديد من المعايير التي تساهم في التفرقة بين أعراض الخرف الكاذب والخرف الحقيقي، من بينها، يمكن القول إن الخرف الكاذب والاكتئاب يمكن عكسه، بينما يكون علاج الخرف أكثر تعقيدًا، وذلك بحسب مرحلة المرض وتقدمه، تشمل المعايير الأخرى التي تسهم في هذا التمييز ما يلي:

  • كيف يظهر الخرف؟

قد يعاني الأشخاص المصابون بالاكتئاب من صعوبات في الذاكرة ويبدون في حالة قلق، لكنهم غالبًا لا يظهرون أي نقص في اختبارات الذاكرة النفسية العصبية الموضوعية  على العكس من ذلك، يميل المصابون بالخرف إلى إنكار وجود مشاكل في الذاكرة أو التقليل من شأنها، ومع ذلك، فإنهم يظهرون ضعفًا في الاختبارات النفسية العصبية.

  • الوعي بمشاكل الذاكرة

غالبًا ما لا يدرك المصابون بالخرف وجود مشكلات في الذاكرة أو ينكرونها، وقد تكون نتائجهم ضعيفة في الاختبارات الإدراكية، بينما مرضى الاكتئاب والضعف الإدراكي يحققون نتائج أفضل في هذه الاختبارات، وعادةً ما يكون لديهم وعي بمشاكل الذاكرة.

  • نتائج اختبار مقياس الاكتئاب لدى كبار السن

تُعتبر اختبارات مثل مقياس الاكتئاب لدى كبار السن (GDS)  أدوات مهمة للتفريق بين الخرف واضطراب PDEM، تُستخدم نتائج مقياس GDS مع معلومات عن تاريخ الشخص، وأدائه الحالي لدعم عملية التشخيص، على سبيل المثال، الأشخاص الذين يعانون من الخرف الكاذب غالبًا لا يواجهون تقلبات مزاجية، مما يجعل من المحتمل أن يحصلوا على درجات مرتفعة في مقياس GDS (الدرجات العالية تشير إلى زيادة الاكتئاب)، بينما يظهر المصابون بالخرف مجموعة متنوعة من المشاعر.

  • فقدان جميع الذكريات مقابل الذكريات الأحدث

قد يؤدي الاكتئاب إلى فقدان الذاكرة، وقد أظهرت إحدى الدراسات أن مرضى متلازمة PDEM الاكتئابية عانوا من فقدان متساوٍ للذاكرة سواء للأحداث القريبة أو البعيدة، وبرز لديهم فقدان ذاكرة متقطع أو مُحدد، مع بقاء تركيزهم وانتباههم سليمين، وكانوا يجيبون بشكل متكرر بـ”لا أعرف”.

  • تغيرات سلوكية

ترتبط أعراض الخرف الكاذب في كثير من الأحيان بالاكتئاب، مما يؤدي إلى ظهور أعراض سلوكية اكتئابية لدى المصابين، مثل فقدان المتعة، تقلب المزاج، والإرهاق. ومع ذلك، لا ينطبق هذا على جميع حالات الخرف.

  • الاستجابة للعلاج

عادةً ما يستجيب المصابون بالخرف الكاذب للعلاج. على سبيل المثال، في الحالات المرتبطة بالاكتئاب، قد يؤدي تحسن الاكتئاب إلى تخفيف، أو شفاء أعراض الخرف.

أسباب الخرف الكاذب

يُعتبر الاكتئاب من الاضطرابات المزاجية الرئيسية المرتبطة بالخرف الكاذب، حيث يمكن أن يؤدي ضعف الإدراك إلى حدوثه. ومع ذلك، يشير الخبراء إلى أن تحديد تشخيص نهائي للمرضى الذين يعانون من مزيج من الاكتئاب، والعجز الإدراكي يعد أمرًا صعبًا.

لذلك، يُطلق على بعض هؤلاء المرضى أحيانًا أنهم يعانون من اضطراب عضوي أو ضعف وظيفي، بينما يعاني معظمهم من مزيج من كلا الحالتين، وتشمل أسباب الخرف الكاذب ما يلي: 

  1. التوتر والاكتئاب: تؤدي زيادة التوتر والاكتئاب إلى تغيير محور الوطاء-الغدة النخامية، مما يتسبب في ضعف الإدراك.
  2. العوامل النفسية والاجتماعية والبيئية: مثل الإيذاء (العقلي والجسدي)، تدني الدعم الاجتماعي، الأحداث السلبية في الحياة، وإساءة استخدام المواد.
  3. مشاكل في المسارات العصبية: وجود مشكلات تتضمن منطقة من الدماغ تُعرف باللوزة الدماغية، وعلاقتها بالفصين الجبهي والصدغي.
  4. العوامل العصبية الصماء: حيث يحدث انحلال للخلايا العصبية في الحُصين، مما يؤدي إلى ضعف الإدراك.
  5. العوامل الوراثية: مع تكرارات في الكروموسوم 9: (أي، C9ORF72) التي تظهر لدى المرضى الذين تم تشخيصهم باضطرابات إدراكية اكتئابية.

أهم 6 أعراض الخرف الكاذب

تظهر الأعراض المتعلقة بالخرف الكاذب، والذي يُعرف طبيًا باسم الخرف الاكتئابي، كخليط من المشاكل المعرفية والعاطفية والسلوكية، على عكس الخرف الحقيقي، غالبًا ما تعكس هذه الأعراض حالة نفسية كامنة مثل الاكتئاب الشديد، بدلاً من أن تكون ناتجة عن تلف في خلايا الدماغ، ومن أبرز الأعراض:

ضعف الذاكرة

  1. في حالة الخرف الاكتئابي، يظهر النسيان بشكل مختلف.
  2. قد يُعاني الأفراد من صعوبة في استرجاع الأحداث الحديثة، بينما تظل ذكرياتهم البعيدة سليمة.
  3. كما أن مشاكلهم في التركيز والانتباه، والتنظيم قد تؤدي إلى ضعف الأداء الإدراكي العام، مما يجعلهم يبدون وكأنهم غير قادرين على تكوين ذكريات جديدة، بينما يكون السبب الحقيقي هو نقص الدافع، أو القدرة على التركيز بسبب الاكتئاب.

تغيرات المزاج

تُعدّ التقلبات المزاجية من أبرز أعراض الخرف الكاذب، وفي كثير من الأحيان تكون أولى العلامات التي تظهر. تشمل هذه الأعراض:

  1. فقدان المتعة والاهتمام بالأنشطة التي كانت ممتعة سابقًا.
  2. الشعور المستمر بالحزن واليأس والاكتئاب.
  3. مشاعر الجمود العاطفي، والتهيج، والقلق.

تساعد هذه الأعراض العاطفية في تمييز الخرف الاكتئابي عن اضطرابات التدهور العصبي الأخرى، حيث إنها غالبًا ما تسبق ظهور الأعراض المعرفية.

مضاعفات الخرف الكاذب

يُعتبر الخرف الكاذب من الأمراض التي يُساء فهمها، وغالبًا ما يُمكن تشخيصه بشكل يسير، مما يُنتج عنه تحديات جسيمة للأفراد المبتلين به، ولذويهم، ومقدمي الرعاية الصحية. في غياب العلاج الملائم، قد يتعرض الأداء التنفيذي للإصابة بتداعيات وخيمة.

كما أن المصاب بهذا النوع من الخرف قد يجد نفسه في مواجهة عقبات في العمل، وفي علاقاته الاجتماعية، وفي الاستمرارية في ممارسات حياته اليومية، أما عن المضاعفات طويلة الأمد، فقد تتجلى في:

  • الاكتئاب المستمر.
  • فقدان التوجه.
  • فقدان الذاكرة.
  • تراجع أو انعدام الاستقلالية.
  • ضعف في القدرات المعرفية.
  • عجز في وظائف الكلام واللغة.

أهم وسائل تشخيص أعراض الخرف الكاذب

يُعتبر تشخيص الخرف الكاذب مهمة شاقة، نظرًا للتشابه الكبير الذي يجمعه بالخرف الحقيقي. لذا، يلجأ الأطباء إلى اتباع نهج تشخيصي متسلسل، يهدف إلى استبعاد الأسباب المحتملة، والوصول إلى الاستنتاج الدقيق، تشمل خطوات التشخيص:

1.المقابلة السريرية 

تتضمن مراجعة التاريخ النفسي، وتقييم الحالة المزاجية، والأفكار، وأنماط السلوك.

2. التقييمات المعرفية  

تتضمن اختبار الحالة العقلية المصغرة (MMSE) وتقييم مونتريال المعرفي (MoCA)، حيث قد تكشف هذه الاختبارات عن عدم الاتساق في الجهد أو الأداء.

3. الفحص الطبي  

يشمل إجراء اختبارات الدم للتحقق من نقص الفيتامينات (مثل فيتامين ب12)، أو مشكلات الغدة الدرقية، أو العدوى، كما يتم استخدام تصوير الدماغ (التصوير بالرنين المغناطيسي، أو التصوير المقطعي المحوسب) لاستبعاد الحالات التنكسية العصبية.

4. التقييم النفسي والاجتماعي

يتناول العوامل الاجتماعية والنفسية التي قد تؤثر في الحالة:

  • يتضمن تقييم الاكتئاب والقلق، واضطراب ثنائي القطب، وكذلك اضطراب ما بعد الصدمة.
  • قد تُستخدم استبيانات، مثل مقياس الاكتئاب الشيخوخي (GDS).

إذا لاحظت تحسنًا في أعراض الخرف الكاذب مع استخدام مضادات الاكتئاب أو العلاج النفسي، فإن ذلك يعد دليلاً قويًا على أنك في مواجهة الخرف الكاذب، وليس الخرف الحقيقي.

أفضل 3 طرق للتعامل مع أعراض الخرف الكاذب

تكمن الخطوة الأساسية في التعامل الخرف الكاذب في تحديد السبب الرئيسي وراء الأعراض ومعالجته، نظرًا، لأن الخرف الكاذب يرتبط غالبًا بالاكتئاب، فإن الأعراض عادة ما تتحسن بشكل ملحوظ بعد نجاح علاج الاكتئاب، سواء كان ذلك عبر الأدوية أو العلاج النفسي أو كلاهما معًا.

  • التعامل النفسي:

أكثر أساليب العلاج شيوعًا وفعالية تشمل:

  • العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يركز هذا العلاج على مساعدة المرضى في التعرف على أنماط التفكير السلبية، وتغيير السلوكيات التي تسبب لهم المشكلات، كما يعلّم المعالج المريض ومقدمي الرعاية استراتيجيات للتكيف لتحقيق نتائج إيجابية.
  • العلاج التفاعلي: يهدف هذا العلاج إلى تحسين علاقات المريض مع عائلته وأصدقائه والآخرين، بالإضافة إلى تعزيز نظرته لنفسه.
  • العلاج بالتذكر: يمكن أن يكون مفيدًا للأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الذاكرة، حيث يساعدهم على استخدام حواسهم لاسترجاع ذكريات الماضي.
  • التعامل الطبي والدوائي

تُعتبر مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs) الخيار الرئيسي لعلاج الاكتئاب.

  • العلاج بالصدمات الكهربائية (ECT)

يُعد استخدام الصدمات الكهربائية في التعامل مع أعراض الخرف الكاذب خيارًا بديلًا للأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب المقاوم للعلاج، إذ تشير بعض الدراسات إلى أن هذا النوع من العلاج يمكن أن يخفف من أعراض الخرف الكاذب، ويحقق تحسنًا إدراكيًا يدوم لفترة طويلة.

من المهم أن يكون لدى أفراد الأسرة ومقدمي الرعاية فهم جيد للحالة، وأن يقدموا الدعم الفعال ويتواصلوا بشكل جيد، حيث يُعتبر ذلك أساسيًا لنجاح العلاج، كما يُنصح بمشاركتهم في جلسات العلاج حتى يتمكنوا من إعطاء ملاحظاتهم لأخصائي الصحة النفسية.

كذلك، يُفضل دائمًا استشارة طبيب مختص لتحديد أفضل خطة علاج تتناسب مع الحالة.

هل يُمكن الوقاية من أعراض الخرف الكاذب؟

في هذه المرحلة، لا يُعرف ما إذا كان يمكن الوقاية من الخرف الكاذب، ومع ذلك، فإن الكشف المبكر يعتبر أمرًا حيويًا، من المهم التعرف على الأعراض المبكرة للاكتئاب لدى كبار السن، ومعالجتها لتفادي تفاقم حالة الخرف الكاذب.

في الغالب، تساهم مضادات الاكتئاب في تحسين الوظائف الإدراكية، مما قد يساعد على  تقليل تطور الخرف الكاذب،  أو حتى منعه.

الخلاصة

في الختام، الخرف الكاذب ليس هو الخرف الحقيقي، رغم تشابه الأعراض من فقدان للذاكرة وصعوبة في التركيز، فإن فهم الفرق بين الحالتين يمنحك الأمل، إذا كانت الأعراض ناتجة عن حالة نفسية مثل الاكتئاب، فإن العلاج المناسب يمكن أن يعيد لك وضوح التفكير.

تذكر دائمًا أن الوعي بهذه الحالة واللجوء للمساعدة الطبية المتخصصة هما مفتاح استعادة وظائفك الإدراكية وتحسين جودة حياتك، لا تتردد في استشارة طبيب مختص للحصول على التشخيص الصحيح وخطة العلاج الأمثل.

المصادر

اذهب إلى الأعلى