الاجهاض المتكرر: دليل شامل و6 خطوات علمية لزيادة فرص الحمل الناجح
عندما يواجه زوجان تجارب مؤلمة من الاجهاض المتكرر، يعتصر قلوبهما الحزن والمعاناة بسبب فقدان الحمل المتكرر، إنها رحلة شاقة ومعقدة على الصعيدين العاطفي والجسدي، تؤثر في حوالي 1% إلى 2% من الأزواج الراغبين في الإنجاب.
كما إن تحمّل هذه الخسائر المتكررة يفرض ضغوطًا شديدة على الأفراد المعنيين، مما يتطلب إجراء فحوصات شاملة، وتوفير رعاية تتسم بالتعاطف والرحمة، تابع معنا لمعرفة المزيد….
ما هو الاجهاض المتكرر؟
فقدان الحمل المتكرر يختلف عن العقم، ويُعرف بفشل الحمل مرتين أو أكثر، وفي حال كان السبب غير معروف، يتطلب كل فقدان حمل مراجعة دقيقة لتحديد ما إذا كان هناك حاجة لتقييم شامل.
عند حدوث ثلاث حالات، أو أكثر من فقدان الحمل، يجب إجراء تقييم شامل، وعلى الرغم من أن حوالي 25% من حالات الحمل تُسجل تنتهي بالإجهاض، إلا أن أقل من 5% من النساء يعانين من إجهاضين متتاليين، بينما فقط 1% منهن يتعرضن لثلاث حالات أو أكثر، يمكن أن يستفيد الأزواج الذين يواجهون فقدان الحمل المتكرر من الرعاية الطبية والدعم النفسي.
أسباب الإجهاض المتكرر فى الشهور الأولى: أهم 6 أسباب
يمكن أن يحدث الإجهاض في الأشهر الثلاثة الأولى، وفي الأشهر الثلاثة الثانية لأسباب متنوعة، أحيانًا تكون الأسباب متشابكة، دعونا نفهم ذلك بشكل أفضل.
1. العوامل الوراثية: السبب الأكثر شيوعًا
من أبرز أسباب الإجهاض، خصوصًا في الأشهر الثلاثة الأولى، هي المشاكل الجينية، تخيل عندما تلتقي البويضة من الأم مع الحيوان المنوي من الأب، تتداخل المعلومات الجينية لهما.
أحيانًا، يحدث خطأ في هذه العملية، مما يؤدي إلى مشاكل في الكروموسومات، النتيجة؟ الحمل لا يتطور بشكل طبيعي، ويحدث الإجهاض.
وغالبًا ما تكون هذه الأخطاء عشوائية، ومعظم النساء اللواتي يتعرضن للإجهاض بسبب أسباب وراثية يتمكن من الحمل بنجاح في المستقبل، لكن إذا تكررت حالات الإجهاض، قد يكون من الضروري فحص الجينات لكلا الوالدين، خاصةً إذا كان هناك تاريخ لزواج الأقارب، الذي يزيد خطر الأمراض الوراثية.
2. تشوهات الرحم: عائق هيكلي
تخيلي أنكِ تحاولين إقامة خيمة على أرض غير مستوية مغطاة بالصخور، ببساطة، لن تنجحي في ذلك، وبالمثل، إذا كان الرحم – “المكان” الذي ينمو فيه طفلكِ – يعاني من تشوهات هيكلية، فقد يؤدي ذلك إلى الإجهاض.
الرحم ذو القرنين (المقسم إلى تجويفين)، أو الرحم أحادي القرن (الذي ينمو فيه جانب واحد فقط)، أو الرحم المقسم (الذي يحتوي على حاجز داخلي)، قد تتسبب هذه الحالات في صعوبة انغراس الحمل، وتطوره بطريقة طبيعية.
يمكن أن تؤثر تشوهات الرحم على الحمل في مراحله المبكرة والمتأخرة، قد تكون هذه المشكلات خلقية (موجودة منذ الولادة)، وغالبًا ما تُكتشف بعد حدوث حالات الاجهاض المتكرر، فعند اكتشاف هذه التشوهات، قد يحسن التصحيح الجراحي من فرص الحمل حتى يتم اكتماله.
3. اضطرابات المناعة الذاتية: عندما يقاوم جسمك الحمل عن طريق الخطأ
في بعض الأحيان، قد يُبالغ جهاز المناعة في رد فعله، مما يؤدي إلى تصنيف الحمل بشكل خاطئ كجسم غريب. نتيجة لذلك، يُمكن أن ينتج الجسم أجسامًا مضادة تهاجم الحمل، مما يسبب إجهاضًا مبكرًا، يحدث هذا الوضع في حالات مثل متلازمة أضداد الفوسفوليبيد (APS)، وهو اضطراب مناعي ذاتي يؤدي إلى الاجهاض المتكرر.
إذا كان يُشتبه في هذا السبب، فقد يقوم طبيبكِ بإجراء فحوصات للكشف عن وجود أجسام مضادة معينة في دمكِ، ومن الجيد أن هناك علاجات متاحة، مثل مُميّعات الدم، التي يمكن أن تساعد في دعم الحمل، ومنع الاجهاض المتكرر فى المحاولات المستقبلية.
4. الاختلالات الهرمونية: العامل غير المرئي
تلعب الهرمونات دورًا حاسمًا في دعم الحمل، خاصة في مراحله الأولى، إذا كان جسم المرأة غير قادر على إنتاج كمية كافية من هرمون البروجسترون (هرمون الحمل)، فقد تواجه بطانة الرحم صعوبة في دعم الحمل، مما قد يؤدي إلى حدوث إجهاض، ولحسن الحظ، يمكن علاج هذه المشكلة في كثير من الحالات، حيث تعتبر مكملات الهرمونات وسيلة فعالة للعديد من النساء.
5. عنق الرحم القصير: خطر في الثلث الثاني من الحمل
يمكن أن يؤدي قصور عنق الرحم إلى حدوث الإجهاض خلال الثلث الثاني من الحمل، تخيل عنق الرحم كأنه باب الرحم؛ إذا لم يكن هذا الباب قويًا بما يكفي، فقد يفتح قبل الوقت المناسب مع نمو الجنين، مما يؤدي إلى الإجهاض، تكون هذه المشكلة مقلقة بشكل خاص في الثلث الثاني من الحمل، حيث يسبب وزن الجنين ضغطًا إضافيًا على عنق الرحم.
لحسن الحظ، يوجد إجراء يُعرف باسم ربط عنق الرحم، حيث يتم وضع غرزة في عنق الرحم لمساعدته على البقاء مغلقًا ودعم الحمل، في حالة الاشتباه بقصور عنق الرحم، يمكن أن تساعد الموجات فوق الصوتية المنتظمة في قياس عنق الرحم على اكتشاف هذه المشكلة، ومعالجتها قبل أن تؤدي إلى الإجهاض.
6. العدوى: التهديد الصامت
يمكن أن تؤدي بعض أنواع العدوى إلى حدوث الاجهاض المتكرر، فعدوى مثل التهاب المهبل البكتيري، داء الليستريات، أو حتى بعض العدوى الفيروسية قد تؤثر سلبًا على الحمل، مما يسبب الإجهاض، إذا تكررت حالات الإجهاض دون وجود أسباب واضحة، فقد يقوم الطبيب بإجراء فحوصات للكشف عن أي عدوى محتملة.
أعراض الاجهاض المتكرر
الاجهاض المتكرر له نفس الأعراض، مثل أي إجهاض تلقائي آخر في الثلث الأول، أو الثاني من الحمل، إليك أبرز علامات الإجهاض الشائعة، كما يجب عليك استشارة الطبيب فور ملاحظتك لهذه الأعراض.
- انخفاض في أعراض الحمل، مثل الغثيان والرغبة في تناول الطعام.
- ألم في منطقة الحوض والظهر.
- ألم شديد في أسفل البطن.
- ألم في الحلمة.
- نزيف مهبلي كثيف.
- ظهور بقع دموية مع بداية آلام البطن.
- الحمى، الإسهال، والقيء.
- الشعور بالتعب والدوار.
- خروج سائل من المهبل، مما يشير إلى تمزق الكيس الأمنيوسي (كيس الماء).
أضرار الإجهاض المتكرر
يمكن أن يؤدي الاجهاض المتكرر إلى مضاعفات جسدية، ونفسية خطيرة تؤثر على الزوجين، وخصوصاً على الأم، ومن أبرز المخاطر والآثار الجانبية الناتجة عن الاجهاض المتكرر:
- الاكتئاب واليأس.
- فقر الدم الناتج عن النزيف الحاد بعد الإجهاض.
- الالتصاقات داخل الرحم (IUA)، التي تسبب اضطرابات في الدورة الشهرية والعقم الدائم.
- عدوى في الجهاز التناسلي.
- الحاجة إلى توسيع وكحت الرحم لإزالة أنسجة الحمل المتبقية.
أهم 5 تحاليل لمعرفة سبب الاجهاض المتكرر
عندما يواجه الزوجان تحديات فقدان الحمل المتكرر، يصبح من الضروري أن يخضعا لفحوصات دقيقة، وشاملة لكشف الأسباب المحتملة العميقة وراء هذه المعاناة، ومن بين الفحوصات الأساسية التي ينبغي النظر فيها:
- تحليل الكروموسومات: حيث يُجرى تحليل النمط النووي لتقييم التركيب الكروموسومي لدى كلا الشريكين، لكشف أي عيوب هيكلية قد تكون موجودة.
- التقييم الهرموني: يتم إجراء اختبارات الدم لقياس مستويات الهرمونات، وتحديد أي اختلالات قد تعرقل مسيرة الحمل.
- الاختبارات المناعية: يمكن لبعض الاختبارات المتخصصة أن تقيم عوامل الجهاز المناعي، التي قد تؤثر سلبًا على عملية الحمل.
- تحليل تخثر الدم: يساعد اختبار اضطرابات التخثر في الكشف عن عوامل الخطر المحتملة التي قد تعيق الحمل.
- تحليل السائل المنوي للذكور: لرؤية تجزئة الحمض النووي للحيوانات المنوية.
- اختبارات وظائف الغدة الدرقية: تهدف هذه الاختبارات إلى قياس مستويات هرمونات الغدة الدرقية، حيث أن أي خلل فيها قد يؤثر على الحمل، كما تساهم هذه الفحوصات بتوفير معلومات هامة، مما يساعد مقدمي الرعاية الصحية على اقتراح العلاجات المناسبة، وتقديم الدعم للنساء اللواتي يواجهن حالات الاجهاض المتكرر.
فحوصات تشخيصية أخرى:
- الاستشارة الوراثية: قد ينخرط الأزواج في جلسات استشارة وراثية لفهم المخاطر المرتبطة بانتقال الأمراض الوراثية إلى حالات الحمل المستقبلية.
- تقييم الرحم: تُستخدم تقنيات التصوير مثل الموجات فوق الصوتية، أو تنظير الرحم لاستكشاف الرحم بحثًا عن تشوهات هيكلية قد تؤثر في القدرة على الحمل.
كيف يتم علاج الإجهاض المتكرر وتحسين فرص الحمل؟
تهدف العلاجات المخصصة للإجهاض المتكرر إلى استكشاف الجذور الخفية وراء هذه الظاهرة، والسعي نحو تحسين النتائج المتعلقة بالحمل، وقد تتضمن هذه العلاجات:
العلاجات الطبية والدوائية
تلعب العلاجات الطبية والأدوية دورًا أساسيًا في معالجة حالات الاجهاض المتكرر، تشمل الخيارات الرئيسية ما يلي:
- مكملات البروجسترون: تساعد المكملات الغذائية النساء اللاتي يعانين من انخفاض مستويات البروجسترون في الحفاظ على بطانة الرحم.
- أدوية الغدة الدرقية: تُعزز الأدوية المناسبة صحة الحمل في حال وجود خلل في وظائف الغدة الدرقية.
- مضادات التخثر: تساهم أدوية مثل الوارفارين في تقليل مخاطر تجلط الدم، مما يساعد النساء اللواتي يعانين من اضطرابات التخثر على تجنب الإجهاض.
- مكملات حمض الفوليك: من الضروري ضمان الحصول على كميات كافية من حمض الفوليك لدعم نمو الجنين، وتقليل معدلات الإجهاض.
تساهم هذه التدخلات الطبية، المخصصة لتلبية الاحتياجات الفردية، بشكل كبير في زيادة فرص نجاح الحمل.
تغيير نمط الحياة لتعزيز الحمل السليم بعد الاجهاض المتكرر
يعتبر تغيير نمط الحياة عنصرًا أساسيًا في تحسين فرص الحمل بعد حالات الاجهاض المتكررة، ويجب مراعاة العوامل التالية:
- النظام الغذائي الصحي: من المهم اتباع نظام غذائي متوازن يحتوي على الفيتامينات، والمعادن اللازمة لدعم الصحة الإنجابية.
- ممارسة التمارين الرياضية بانتظام: الحفاظ على وزن صحي من خلال النشاط البدني يمكن أن يسهم بشكل إيجابي في تعزيز الخصوبة.
- تجنب السموم: تقليل التعرض للسموم البيئية، والإقلاع عن التدخين يمكن أن يساعد في تعزيز فرص الحمل.
- إدارة التوتر: تقنيات مثل اليوغا والتأمل تُعزز الصحة النفسية، وتقلل من التوتر الذي قد يؤثر سلبًا على الخصوبة.
من خلال اعتماد هذه التغييرات الإيجابية في نمط الحياة، يمكن للمرأة تعزيز فرص نجاح حملها.
العلاجات الجراحية لتشوهات الرحم
تعتبر العلاجات الجراحية ذات أهمية كبيرة للنساء اللاتي يعانين من تشوهات في الرحم تؤدي إلى تكرار حالات الإجهاض، تشمل الخيارات المتاحة ما يلي:
- جراحة تنظير الرحم: تعتبر هذه الطريقة الأقل توغلاً، حيث تعمل على إزالة الأورام الليفية أو السلائل، أو الأنسجة الندبية من بطانة الرحم، مما يعزز فرص الانغراس.
- الجراحة بالمنظار: تُستخدم هذه التقنية لعلاج المشكلات الأكثر تعقيدًا، حيث تتيح تصحيح التشوهات الرحمية من خلال شقوق صغيرة.
- استئصال الحاجز الرحمي: في حالة وجود رحم مقسم، تصحح هذه الجراحة هذا التشوه، مما يقلل من مخاطر الإجهاض.
كما أن الرعاية قبل الجراحة تتضمن تقييمًا، وتخطيطًا مناسبين لضمان توافق الإجراءات المختارة مع أهداف الخصوبة لدى المرأة، فمن خلال معالجة العوامل الرحمية جراحيًا، يمكن للعديد من النساء تحسين فرص نجاح الحمل بشكل ملحوظ.
خيارات علاج الجهاز المناعي
تُعد هذه الخيارات مهمة للنساء اللواتي قد تواجه إجهاضات متكررة بسبب مشكلات مناعية، تشمل العلاجات المحتملة ما يلي:
- العلاج بالجلوبولين المناعي الوريدي (IVIG): يساعد في تنظيم جهاز المناعة، وقد استُخدم في حالات فقدان الحمل المتكرر.
- الكورتيكوستيرويدات: هذه الأدوية يمكن أن تخفف الالتهاب، وتُستخدم لبعض الحالات التي تتعلق بجهاز المناعة.
- بروتوكولات الخلايا الليمفاوية: بعض العلاجات تعمل على تعديل التفاعلات المناعية بين الأم، والجنين لتحسين فرص نجاح الحمل.
- استشارة الأخصائيين: من المهم التعاون مع أطباء المناعة أو أطباء الإنجاب لتحديد أفضل طرق العلاج.
معالجة المشكلات المناعية يمكن أن تدعم النساء اللواتي يرغبن في الحمل، وتساعد في تقليل مخاطر الاجهاض المتكرر.
تجربتي مع الاجهاض المتكرر
تقول إحدى النساء عبر مواقع التواصل الإجتماعي “بعد أن فقدتُ ستة من أطفالي، شعرتُ باليأس والإحباط، لكنني قررتُ أن أبحث عن إجابات، وألا أستسلم للحزن.
بدأتُ رحلتي بالبحث عن الأسباب، ووجدتُ معلومات عن الخلايا القاتلة الطبيعية وعلاقتها بالإجهاض، بعد أشهر من المتابعة، تمكنتُ من حجز موعد في عيادة متخصصة.
أظهرت الفحوصات أن الخلايا القاتلة الطبيعية لديّ كانت نشطة جدًا، مما كان يهاجم الأجنة ويسبب الاجهاض المتكرر. لكنني لم أفقد الأمل، بل بدأت على الفور برنامجًا علاجيًا يتضمن أدوية، بالإضافة إلى جرعة عالية من فيتامين د.
بعد شهر واحد فقط من بدء العلاج، حملتُ مجددًا، كان القلق يسيطر عليّ، لكن الفحوصات المتكررة أظهرت أن كل شيء على ما يرام. استمر الحمل بشكل صحي، وفي النهاية، وُلدت ابنتي الجميلة، التي تبلغ الآن 22 شهرًأ.
لقد كانت رحلة مليئة بالتحديات، لكن العلاج الصحيح والإيمان بالنجاح حولها إلى نهاية سعيدة، أستطيع اليوم أن أستمتع بأسرتي التي لطالما تمنيتها، وأشعر بالامتنان لأنني لم أتخلَّ عن حلمي، لقد أثبتت تجربتي أن البحث عن السبب، والعلاج المناسب يمكن أن يحول المعاناة إلى فرحة.